0 تصويتات
بواسطة (1.3مليون نقاط)

بحث حول الإسلام والفلسفة وما هو تعريف الفلسفة الإسلامية عند علمائنا

فابن رشد كان من أبرز فلاسفة المسلمين الذين تناولوا قضية العلاقة بين الفلسفة والشريعة ، أو العقل والنقل ، بل إنه يعد كذلك من أبرز من قدموا لها حلولاً واضحة ومحددة . وفى رسالته المركزة جدًا "فصل المقال" التي خصصها أساسًا لهذه القضية ، يحدد ابن رشد الغرض منها في محاولته الإجابة عن السؤال التالي : 

هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق : مباح بالشرع ؟ 

أم محظور ؟

أم مأمور به (على جهة الندب أو على جهة الوجوب) .

وفى البداية يعرف ابن رشد "فعل الفلسفة" بأنه : النظر في الموجودات ، واعتبارها ، من جهة دلالتها على الصانع (أي من جهة ما هي مصنوعات).

وبناءاً عليه يتبلور مفهوم "الفلسفة الإسلامية" ، ويصبح له إطاره الخاص . فهي ليست فلسفة إلحادية خالية من فكرة الله كما في الفلسفة الإغريقية ، (ولدى أرسطو بصفة خاصة) كذلك فإنها ليست فلسفة إشراكية ، تتعدد فيها الآلهة (كما عند الثنوية وغيرها من الديانات الشرقية القديمة) ولكنها فلسفة توحيدية ، تقوم على الإيمان بالله ، وتسعى – بناء على توجيهات الشرع نفسه – إلى إثبات وجود خالق هذا الكون ومبدعه ، عن طريق تأمل الموجودات ، واعتبارها بواسطة العقل "فإن الموجودات إنما تدل على الصانع بمعرفة صنعتها ، وأنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم ما كانت المعرفة بالصانع أتم" .

و تصبح بذلك الفلسفة الإسلامية عبارة عن أسلوب في البحث أو منهج في الاستدلال أكثر من كونها بناءاً مذهبيًا يحتوى على عدد من النظريات الجامدة.

فإذا رجعنا إلى الشرع ، وجدناه – كما يقول ابن رشد – قد دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل ، وتطلب معرفتها به ، وذلك تبين فى أكثر من آية من كتاب الله ، تبارك وتعالى ، مثل قوله تعالى : وهذا فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبصار وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي ، أو العقلي والشرعي معًا .

ومثل قوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ ) ، وهذا نص بالحث على النظر في جميع الموجودات ..

وقال تعالى : ( أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ ) وقال : ( وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى كثرة .

ومن هذا الآيات وغيرها يستخرج ابن رشد الاستدلال الآتي : 

- إذا تقرر أن الشرع أوجب النظر بالعقل فى الموجودات واعتبارها.

- وكان الاعتبار ليس شيئًا أكثر من (استنباط المجهول من العلوم، واستخراجه منه) وهذا هو القياس .

فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس العقلي .

وإذا جاز لنا أن نتوقف هنا قليلاً لنناقش تلك الفكرة ، فإننا نقول : أن حصر مصطلح الاعتبار (أو النظر) القرآني في القياس العقلي وحده فيه تضييق شديد . فالنظر والاعتبار الوارد ذكرهما كثيرًا في القرآن الكريم أوسع بكثير من ذلك النسق المنطقي المتمثل في القياس العقلي وحده : فبعض هذا النظر حسي ، يقترب من الواقع ويكاد يلمسه ، وبعضه ذوقي ينفعل بالواقع ، ويعيش من خلاله تجربته الدينية ، بل إن بعضه يأخذ شكل الحوار مع شخص آخر ، ولا شك في أن طرق التصديق متعددة ، وأساليب الإيمان متفاوتة ، لذلك فإننا نرى أن منهج القياس العقلي يصلح تمامًا أن يكون طريقًا من طرق الاعتبار ، ولكنه بالتأكيد ليس هو الطريق الوحيد .

ومهما يكن من شيء ، فإن ابن رشد يمضى حاسمًا في استنتاجاته ، فيقول : "إذا كان الشرع قد حث على معرفة الله ، تعالى، وسائر موجوداته بالبرهان – وكان من الأفضل ، أو الأمر الضروري، لمن أراد أن يعلم الله ، تبارك وتعالى ، وسائر الموجودات بالبرهان ، أن يتقدم أولاً فيعلم أنواع البراهين وشروطها، وبماذا يخالف القياس البرهانى الجدلي ، والقياس الخطابي ، والقياس المغالطى – وكان لا يمكن ذلك دون أن يتقدم فيعرف قبل ذلك : ما هو القياس المطلق ؟ وكم أنواعه ؟ وما منها قياس ، وما منها ليس بقياس – وذلك لا يمكن أيضًا إلا ويتقدم فيعرف قبل ذلك أجزاء القياس التي منها تركبت ، أعنى : المقدمات وأنواعها.

ومعنى هذا أن الشخص الذي يمتثل لأمر الله تعالى بالنظر والاعتبار في مخلوقاته ، ينبغي عليه – تبعًا لاستدلال ابن رشد – أن يبدأ بدراسة "علم المنطق" الأرسطي !! وقد أدرك ابن رشد بالفعل خطورة مثل هذا الاعتراض ، فأسرع بإيراده ، والرد عليه "وليس لقائل أن يقول : إن هذا النوع من النظر في القياس العقلي بدعة ، إذ لم يكن في الصدر الأول ، فإن النظر أيضًا في القياس الفقهي وأنواعه هو شيء استنبط بعد الصدر الأول ، وليس يرى أنه بدعة" .

وهكذا يقيم ابن رشد مشابهة بين القياس العقلي والقياس الفقهي باعتبار أن كلاً منهما آلة ضرورية لاكتساب المجهول من المعلوم : "فإنه كما أن الفقيه يستنبط من الأمر بالتفقه في الأحكام وجوب معرفة المقاييس (أنواع القياس) الفقهية على أنواعها ، وما منها قياس ، وما منها ليس بقياس – كذلك يجب على العارف (يقصد الفيلسوف) أن يستنبط من الأمر بالنظر في الموجودات وجوب معرفة القياس العقلي وأنواعه .. بل هو أحرى بذلك" .

وبعد أن يقرر ابن رشد أن الشرع يوجب النظر في "القياس العقلي وأنواعه" يدعو إلى تلمس معرفته عند الحاذقين فيه ، وهم الفلاسفة القدماء ، حتى وإن كانوا على غير ملة الإسلام : "وإن كان غيرنا قد فحص عن ذلك ، فبين أنه يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسبيله – بما قاله من تقدمنا في ذلك .

وسواء كان ذلك الغير مشاركًا لنا أو غير مشارك في الملة ، فإن الآلة التي يصح بها التزكية ، لا يعتبر في صحة التزكية بها كونها آلة لمشارك لنا في الملة ، أو غير مشارك ، إذا كانت فيها شروط الصحة ، وأعنى بغير المشارك : من نظر في هذه الأشياء من القدماء قبل ملة الإسلام.

وبالطبع ، يقصد ابن رشد العمل الكبير الذي قام به أرسطو وشارحوه في مجال علم المنطق ، لكنه يصرح بأننا ينبغي ألا نتبع القدماء إتباعا خالصًا بدون الفحص عما قالوه ، وذلك لمعرفة الحق منه والتمسك به ، والوقوف على الزائف فيه واجتنابه ، يقول ابن رشد : "يجب علينا إن ألفينا لمن تقدم من الأمم السالفة نظرًا في الموجودات ، واعتبارًا لها ، بحسب ما اقتضته شرائط البرهان ، أن ننظر في الذي قالوه من ذلك ، وما أثبتوه في كتبهم :

فما كان منها موافقًا للحق قبلناه منهم ، وسررنا به ، وشكرناهم عليه . 

وما كان منها غير موافق نبهنا عليه ، وحذرنا منه ، وعذرناهم.

ويشير رحمه الله إلى أن الدين والفلسفة يلتقيان في هدفهما البعيد، وهو اعتبار الموجودات للتيقن من وجود الصانع ، بل أنه يصف بالجهل والبعد عن الله أولئك الذين يصدون المؤمنين القادرين على البحث الفلسفي عن ممارسته ، والاشتغال به ، يقول : "فقد تبين من هذا أن النظر فى كتب القدماء واجب بالشرع ، إذ كان مغزاهم في كتبهم ومقصدهم هو المقصد الذي حثنا الشرع عليه ، وأن من نهى عن النظر من كان أهلاً للنظر فيها (وهو الذي جمع أمرين : أحدهما ذكاء الفطرة ، والثاني العدالة الشرعية والفضيلة العملية والخلقية) فقد صد الناس عن الباب الذي دعا الشرع منه الناس إلى معرفة الله ، وهو باب النظر المؤدى إلى معرفته حق المعرفة ، وذلك غاية الجهل ، والبعد عن الله .

أما الادعاء بأن الفلسفة قد تجلب الضرر على بعض العقول ، ولذلك ينبغي أن تمنعها عن الجميع ، فهو ادعاء لا يستند إلى أساس صحيح ، "فليس يلزم من أنه إن غوى بالنظر فيها ولا يخرج من هؤلاء 

أ/ إما من قبل نقص فطرته .

ب/ وإما من قبل سوء ترتيب نظرة فيها .

ج/ أو من قبل غلبة شهواته عليه .

د/ أو أنه لم يجد معلمًا يرشده إلى فهم ما فيها .

و/ أو من قبل اجتماع هذه الأسباب فيه ، أو أكثر من واحد .

هكذا كان علمائنا رضوان الله عليهم يتعاملون بكل فهم وحكمة ودراية مع الفلسفة ، أما حال شبابنا اليوم وللأسف فهم بين متعصب منغلق على نفسه متخوف دون مبررات وسطحي متفلسف من دون علم ، وبين من هم منعزلون وهائمون في جزر معزولة مع الفلسفات الأخرى وهم يظنون أن هذا الدين يتصادم مع الفلسفة بغير دليل على ذلك ولا هدى ولا كتاب منير ....

إجابتك

اسمك الذي سيظهر (اختياري):
نحن نحرص على خصوصيتك: هذا العنوان البريدي لن يتم استخدامه لغير إرسال التنبيهات.

1 إجابة واحدة

0 تصويتات
بواسطة (1.3مليون نقاط)
 
أفضل إجابة
بحث حول الإسلام والفلسفة وما هو تعريف الفلسفة الإسلامية عند علمائنا

مرحبا بكم في موقع planer.

يتم الرد على سؤالك خلال دقائق ، لو سمحت ضع سؤالك هنا اطرح سؤالاً. وانتظر الإجابة عليه.

...